إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس أنور السادات، فى افتتاح دورة مجلس الشعب،  18/ 10/1975
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الخامس 1975، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ط 1982، ص 316- 319"   

نوعية الأسلحة .. ان هذا لا يتفق مع الدور الذى تقوم به امريكا الآن فى المنطقة .. وان التصعيد من جانب لابد ان نقابله بتصعيد من جانبنا، والعواقب فى هذا المجال واضحة للجميع .

         ايها الأخوة والأخوات:

         إن كل موقف متحسن لكل طرف عربى اليوم عما كانت الأمور عليه قبل سنتين ليس إلا نتاج حرب اكتوبر المجيدة، واذا كانت حرب اكتوبر هى أول حرب عربية منتصرة ضد اسرائيل رغم اننا اتخذنا القرار فى جو شامل من اليأس.. فعجبى للذين يتحدثون وكأنها آخر ما فى طاقة الأمة العربية.. كلا.. اننا لم نلق السلاح ولم نوقع اية وثيقة نهائية.. وجهودنا بمؤازرة الأخوة العرب فى الأخذ بأسباب القوة معروفة للجميع لأننا نعرف انه بغير هذا الاستعداد المستمر للحرب لا يمكن ان نصل الى سلام يمكن ان يوصف بالعدل.

         ونحن نعرف ظروف شعب فلسطين كما نعرف ظروف منظمة التحرير ولطالما حذرت من تدخل اطراف عربية اخرى على قياداته، بل لقد اتخذ قرار بهذا فى مؤتمر قمة الرباط ولكن هذا القرار لم ينفذ.. ولا زالت هذه التدخلات تؤثر على موقف الفلسطينيين تضيع الوقت والفرص فى قضية سماها العالم بحق قضية الفرص الضائعة.. على ان التزامنا الفلسطينى قائم رغم كل شىء... بل ان اساس حساباتنا ان تكون سنة 76 هى سنة فلسطين.

         لقد لعبنا الدور الأكبر فى تجميع الاعترافات الدولية بها، وفى دخول المنظمة الى هيئات دولية كثيرة وسوف نواصل النضال بشتى الطرق حتى تتحقق للشعب الفلسطينى امانيه المشروعة، ولا اترك هذه المناسبة دون ان اشير الى ما جرى ويجرى فى البلد الشقيق العزيز لبنان.

         اننى لا اجد من المناسب ولا من المفيد ان اقول اى شىء يمكن ان يكون تدخلا فى شئون لبنان الداخلية.. ولكن هذه الاحداث فوق انها تهدد كيان لبنان ذاته فهى تهدد بجر المنطقة كلها الى احداث غامضة.. ومجالات للتآمر لا نعرفها.. وفتح ثغرة هامة امام اسرائيل سياسيا ودعائيا وعسكريا خصوصا مع الوجود الفلسطينى هناك.

         من هنا فمسئوليتهم فى لبنان ليست لبنانية فقط ، بل عربية ايضا.. ومن هنا فاننى اتمنى على كل الاطراف المسئولة هناك ان تواجه الصعاب والخلافات بصراحة وتعقل، وان تواجه التطور المطلوب بالصراع السياسى وليس بالصراع العسكرى.

         ان كارثة فى لبنان قد تكون اكبر فى حجمها من كارثة فلسطين سنة 48 والوقت لم يفت لاطفاء الفتنة، وقطع الأيدى المدسوسة، وسلوك طريق العمل السياسى لتطوير اوضاع لبنان كما يريد شعب لبنان.. ان منطقتنا العربية- وفيها لبنان- لا تعرف الا التسامح الدينى وقد كانت مهبطا لكل الاديان .

         والاقتتال فى لبنان اذا كان يتبدى أحيانا فى لون طائفى الا انه لا يمكن فى جوهره ان يكون كذلك، وقد عرف لبنان تعايش الطوائف وتداخلها وامتزاجها قرنا بعد قرن.

         نحن نريد للبنان ما اراده له مؤسسوه.. ليس للاستعمار مقرا ولا ممرا، ونموذجا للتعايش بين الطوائف والمذاهب، ونافذة عربية على العالم، وجهها عربى، وقلبها ايضا عربى، وليس لى الا ان اوجه نداء سيفهمه الجميع: " ان ارفعوا ايديكم عن لبنان،.

         ايها الأخوة والأخوات اعضاء مجلس الشعب:

         انكم تبدأون دورتكم هذه وقد تبلورت اركان مرحلة تحول هامة، وتشكلت ملامح مجتمع جديد.. ولقد تحدثت اليكم والى الشعب عن معاناة السنوات الخمس.. وشرحت بعض جوانبها وخفاياها بقصد ان نستخلص جميعا العبرة الصالحة منها .. حدثتكم عن معاناتى وانا فى موقع المسئولية اكظم الألم واعالج الصعاب.. واجهز رغم كل شىء للمعركة دون ان يكون من حقى ان ابوح واصارح بكل شىء.

         وحدثتكم ايضا عن معاناة شعبنا الذى لم يكن يعرف حقائق كثيرة، ولكنه كان فى اغلبيته الكبيرة وبفطرته السليمة، يحس ان ساعة الحق قادمة، حتى تحقق لنا بعون من الله ذلك النصر المبين، ولكننا الآن فى مرحلة مختلفة وفى جو مختلف تماما .. نحن الآن لا نغص بتراب الألم بل نتنفس رياح النصر والأمل.. لقد عبرنا المرحلة الحرجة.. خرجنا من جو الشكوك والغموض وعدم الثقة الى جو من الوضوح والانفتاح والانفراج.

         وتم الاختبار القاسى للشعب وللجيش وللقيادة، وخرج الكل من نار التجربة مصقولا لامعا.. ونحن نعيش الآن فى جو جديد تماما.. الحقائق فيه كلها معلنة، والمعلومات متوفرة، والصورة واضحة، والمناقشة فى ضوء هذا كله حرة.. لم يبق اذن مجال للكبت أو التمزق، ولا مجال ايضا لبث روح الهزيمة والتشاؤم، حتى مشاكلنا وامراضنا نعرضها علنا ونعرفها ونعالجها بمشاركة من الجميع، فلم يعد هناك مجال ولا مبرر للتعبير عن الرأى خلال مسارب خفية، أو خارج اطارات المؤسسات التى اكتمل بناؤها .

         ان ورقة اكتوبر التى استفتى عليها الشعب والتى سوف تظل من اهم وثائق تجربتنا الثورية والنضالية كان احد مرتكزاتها الرئيسية ان اى ثورة لا تنجح حقا الا اذا تحولت الى نظام .. نظام قادر على القيام بذاته دون اجراءات استثنائية من اى نوع..واننا بالتالى- وكما قلت فى مناسبات سابقة- قد انتقلنا من مرحلة الشرعية الثورية الى مرحلة الشرعية الدستورية.. ومن هنا اصبح لدينا لأول مرة دستور دائم هو ابو القوانين كلها واساس الشرعية كلها.. والدساتير فى العالم كله يمكن ان تعدل او يضاف اليها، بل ان كل دستور ينص دائما على الطريقة الشرعية لتعديله او للاضافة اليه.. وهذا شىء آخر تماما غير المساس بالدستور او الخروج على احكامه.. هنا يكون من حق المجتمع ان يتصدى لكل محاولة للمساس بدستوره الذى يشكل نظام حياته التى ارتضاها.

<2>