إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


 


خطاب الدكتور محمد مرسي يوم 24/6/2012

كلمة الرئيس محمد مرسي أمام المنتدى الاقتصادي المصري الصيني[1]

بكين، في 29 أغسطس 2012

بسم الله الرحمن الرحيم

فخامة الرئيس هو جينتاو

رئيس جمهورية الصين الشعبية

السادة الوزراء من جمهورية الصين الشعبية وجمهورية مصر العربية

السادة الحضور رجال الأعمال ورؤساء الشركات من البلدين الصديقين

السيدات والسادة الحضور

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يطيب لي أن أعبر عن سعادتي لوجودي اليوم وسط هذه الكوكبة من رجال الأعمال الصينيين والمصريين والتى أرى في مشاركتها لهذا الحشد الكبير والمتميز بداية نقلة نوعية جديدة في العلاقات بين بلدينا بصورة عامة، والعلاقات التجارية والاقتصادية بصورة خاصة، بل أرى في هذا الحدث تتويجاً لعمل جاد وشاق شهده يوم أمس، والأسابيع القلية التي سبقت تلك الزيارة، حيث نشهد تدشينا لمحور جديد من محاور الشراكة الإستراتيجية بين بلدينا ألا وهو محور الشراكة بين مجتمع الأعمال في مصر والصين، والذي لاشك أنه سوف يعطى دفعة غير عادية لعلاقات التعاون الوثيق والتواصل البناء بين أقدم حضارتين في العالم.

السيدات والسادة:

أود أن أشارككم رؤيتي بشأن تلك الشراكة الجديدة بين مجتمع الأعمال في البلدين حيث أرى أنه يمكن تدشينها على سبع ركائز...

أولاً : التجارة والاستثمار

تتمثل الركيزة الأولى في صلابة الأرضية التي تجسد العلاقات التاريخية المتميزة بين بلدينا، والتعاون الوثيق الذي اتخذ طابعاً استراتيجياً منذ سنوات عديدة، خاصة في المجال الاقتصادي وفي مجال التجارة التي تكاد إحصائياتها تبرز زيادته للضعف بمعدل سنوي حتى تجاوزت أخيراً الـ9 مليار دولار ناهيك عن مشروعات عملاقة للتعاون في مختلف القطاعات الحيوية الاقتصادية والتقنية والصناعية التي تقننها أطر تعاقدية تضفي على التعاون طابعاً مؤسسياً راسخاً وهى الأطر التي عززناها أمس بتوقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تستهدف مواصلة وتطوير التعاون، ودفعه نحو تحقيق المزيد من المصالح المتبادلة للبلدين، ولدينا في هذه الأطر ذاتها وأيضا في أطر التعاون والتشاور المؤسسي التي تربط بين البلدين ما يكفل المتابعة الواعية لمسار تنفيذ المشروعات وتحقيق العائد المرجو منها لصالح البلدين والشعبين.

ولعلها من مفارقة حسنة أن الجانب الوحيد الأقل توازناً في هذه الشراكة التاريخية بين بلدينا يمثل في حد ذاته نقطة الانطلاق التي ندشن منها اليوم هذا المحور الجديد الفاعل للشراكة بين مجتمعي الأعمال, وأقصد به جانب الاستثمارات الصينية في مصر والتي لا تتناسب مع عمق شاركتنا التاريخية خاصة في ظل استثمار ميل ميزان التجارة بين بلدينا لصالح الصين. ولا أقصد هنا الاستثمار بالمال فحسب بل أيضاً الاستثمار بالتكنولوجيا والبحث العلمي والموجة للتنمية الشاملة للمجتمع وهو ما سأتطرق إليه لاحقاً بالتفصيل.

لقد حققت الصين على مدار العقود الثلاثة الماضية نموذجاً فريداً للنمو الذى تجاوز نسبة الـ9% ، وللتطور الاقتصادي والتقني الذي أذهل العالم بمستواه المتطور وصعوده السريع والذي شمل مجال الاستثمار في الأسواق العالمية والخارجية حيث احتلت الصين المركز الخامس على مستوى العالم بحجم استثمارات يربو على الـ53 مليار دولار ولم تحظى منها مصر إلا بالنذر اليسير الذي لا يتجاوز 400 مليون دولار، في وقت تحتضن فيه مصر استثمارات تفوق كثيراً ما تحتضنه من الصين والواردة من اقتصاديات ناشئة أخرى لا يضاهي علاقاتنا بها حجم ومستوى علاقاتنا بالصين كما لا تقارن قدراتها بقدرات الصين، وهذا ما يقودني للانتقال إلى الركيزة الثانية التي أرى تأسيس شراكة الأعمال بين البلدين عليها.

ثانياً: ميزات السوق المصري

السيدات والسادة:

على الرغم من التحديات الاقتصادية التي شهدتها مصر خلال العامين الماضيين فإن الأساس الذي تستند إليه جدارة اقتصادها ظل ثابتاً لم يتغير في قوة جذبة للشراكات الاقتصادية من مختلف أنحاء العالم التى تأتينا للاستثمار سواء بالنظر إلى موقفها الجغرافي المتميز بين أسواق العالم الرئيسية عبر أهم مجرى ملاحي فى العالم وهو قناة السويس أو فى ضوء البنية الاساسية أو المتطورة التى تدعم حركة التجارة والصناعة بتكلفة اقتصادية منخفضة, أو فى موارد بشرية وطنية متميزة فى العقول وفى القدرات التقنية التي تؤهلها بالمشاركة الفاعلة فى العميلة الانتاجية أيضاً بتكلفة اقتصادية منخفضة.

إن مصر بعبقرية مكانها وإمكاناتها وقدرات أبنائها يمكنها أن تقدم اليوم للصين الصاعدة نقطة انطلاق اقتصادي نحو أسواق الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا والتي تربطها بمصر اتفاقيات تجارة حرة أو ترتيبات للأفضليات التجارية، نقطة انطلاق تدعم مساعي الصين في مواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية وتحقق لها مزايا وعوائد تبتغيها في أسواق العالم الرئيسية، انطلاقا من مصر، والتي تتجاوز حدود المزايا الاقتصادية المتعددة لتشمل عائداً سياسياً دولياً داعماً لثقل الصين كقوة كبرى صاعدة ونموذج لقدرة الدول النامية على تحقيق إنجازات تاريخية بسواعد أبنائها لتصعد بها نحو آفاق طموحة من النمو والتقدم. وأقول للأصدقاء في الصين، إن السبعين ونيف من رجال الأعمال المصريين الذين تكبدوا عناء السفر لهذة المسافة لزيارة بلدكم الصديق هم طليعة لمجتمع أعمال وطني كبير يسعى للتواصل مع نظيره الصيني لتأسيس شراكة تعود بالمنفعة المتبادلة والمتوازنة على بلدينا وشعبينا وهي الشراكة التى أرى فيها الوعاء المناسب لضخ المزيد من الاستثمارات الصينية في إطار الرؤيا التى عرضتها وهي الاستثمارات التي نأمل في مضاعفتها على الأقل على نحو سنوي بما يتفق وخصوصية الشراكة المصرية الصينية وعمقها.

ثالثاً: التوازن بين الاستثمار بالمال والاستثمار بالتكنولوجيا والبحث العلمي

وفيما يتعلق بالركيزة الثالثة التي أرى تأسيس شراكة الأعمال عليها أيها الحضور الكرام، فهي تتمثل في ضرورة المزج المتوازن بين الاستثمار بالمال والاستثمار بالتكنولوجيا والحث العلمي كأسس لا غنى عنها للنهضة الحقيقية المستدامة. فأمامنا اليوم فرصة تاريخية لإنشاء شراكة فاعلة مكملة في مجال التكنولوجيا المتطورة والبحث العلمي الموجه لأغراض التطوير التقني والنوعي للاقتصاد وقدراته. ولا شك أن إنشاء " الشركات المشتركة " في مختلف المجالات بين قطاعي الأعمال في البلدين في مصر سيمثل الإطار المناسب لنقل الصين التكنولوجيا الملائمة للأنشطة التى ستتخصص فيها هذه الشركات بما يسهل في بناء القاعدة الاقتصادية لمصر على النحو الذي يدعمها كنقطة انطلاق للصناعات والقدرات الصينية نحو أسواق العالم الرئيسية. وحتى أستكمل رؤيتي لهذه الجزئية الهامة فلا بد من التطرق إلى تجربة رائدة في الاقتصاديات المتقدمة احتذت بها بل وتفوقت فيها الصين خلال مسيرة صعودها والتي تتمثل في تحقيق التكامل في الأبنية الوطنية للبحث العلمي الموجه للتطوير التقني للمنتج بين تلك الأبنية القومية للدولة من ناحية والأبنية الفرعية التي تنشئها كل شركة ومنشأة على حدة لتطوير منتجها وتعزيز قدراتها من ناحية أخرى. ولعله من المفيد أن يتأمل مجتمع الأعمال في البلدين هذه التجربة الرائدة لتأسيس وحدات للبحث العلمي والتطوير التقني كمكون رئيسي داخل كل ما يعتزم الجانبان تأسيسه من شركات مشتركة، على أن يتم ربط هذه الوحدات بمنظومة البحث العلمي في مصر ككل من خلال دعم الصين الصديقـة لهذه المنظومة خاصة من خلال الإفادة بخبراتها وقدراتها المتطورة في هذا المضمار.

ولعل أهمية هذه الركيزة تتضح في التغيير الذي يشهده الاقتصاد العالمي نحو اقتصاد المعرفة ليصبح النمو والابتكار موازيين لتنافسية الدول والشركات، ونستشهد في ذلك بمجال التكنولوجيا والصناعات الصديقة للبيئة ومصادر الطاقة المتجددة، وحتى المجالات الهامة التي نعلم أن الشركات الصينية تتوق للاستثمار فيها مدركة أنها تمثل صناعات المستقبل وهو ما يفتح مجالاً هاماً للتعاون مع الشركـات المصرية مع الإمكانيات الكبيرة والمتاحة في مصر من مصادر للطاقة المتجددة.

رابعاً: التركيز على المشروعات الكبرى

السيدات والسادة:

ذكرت ضمن ما ذكرت أن شراكتنا اليوم هي بين أعرق بلدين وحضارتين في تاريخ البشرية والعالم ولا يضاهي الكبار سوى كل ما هو كبير بقامتهم، وهذا ما يقودني للركيزة الرابعة التى أرى تأسيس شركاتنا عليها وهو التركيز على المشروعات الكبرى التى تمثل علامات طريق، تقدم للعالم رسالة لما يمكن أن تحققه دولتان بحجم الصين ومصر من تعاون بناء ذي عائد حقيقي وملموس على نهضة الأمتين والشعبين. إنني أدعو من هنا مجتمع الأعمال في البلدين لخطوات شجاعة نحو إنشاء مشروعات رائدة طموحة في القطاعات الحيوية للاقتصاد التي تتأسس عليها نهضة الأمم. وأخص بالذكر، على سبيل المثال، المشروعات الرامية إلى تطوير الممر الملاحي الاستراتيجي لقناة السويس ليصبح نقطة جذب متكامل اقتصادي وتجاري وسياحي، ومشروعات البترول والغاز والكهرباء والطاقة الجديدة والمتجددة وتطوير قاعدة الصناعات الصديقة للبيئة وفي مجالات تطوير وتحديث البنية الأساسية لشبكة الطرق والمواصلات والسكك الحديدية والمطارات والموانئ البحرية وأرصفة تداول الحاويات الملائمة للناقلات العملاقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وغيرها من القطاعات التى تحقق عائداً قومياً وقيمة مضافة للأوطان تضاهي العائد الربحي للمنشأة الاقتصادية.

خامساً: التعاون المؤسسي

لقد ذكرت في مقدمة كلمتي أن شراكة مجتمعي الأعمال التي نؤسس لها اليوم بين بلدينا إنما تتم في إطار شراكة استراتيجية راسخة بين الدولتين وهو ما يقودني إلى الركيزة الخامسة التى أرى تأسيس هذه الشراكة عليها وهو القاعدة المؤسسية لدعم الحكومتين لهذه الشراكة بين مجتمعي الأعمال من خلال الأطر المؤسسية الفاعلة القائمة بين البلدين. لقد أثبتت التجارب الرائدة لنهضة الأمم أهمية تحقيق التكامل والتواصل البناء بين الأهداف القومية التى تضعها حكومات الدول للنهضة من جانب والأهداف التى يضعها مجتمع الأعمال في كل بلد لتحقيق عائد اقتصادي مجد ينعكس على المجتمع من جانب آخر. وإنني على ثقة من أن حكومة الصين الصديقة سوف لا تدخر جهداً للتعاون مع الحكومة المصرية لمنح مجتمع الأعمال في البلدين كل الدعم والمساندة لتوفير البيئة المواتية للعمل والإنجاز ولتحقيق المعادلة التى لن تكون أبداً صعبة بالنسبة للثقافتين وعينا تماماً فلسفة التكامل والتناغم والوحدة لتحقيق التوازن بين الأهداف العامة والأهداف الخاصة والتكامل الواعي بين الخطط القومية للنمو والنهضة للأمة وللمواطن من جهة والتطلعات المشروعة للربح والعائد الذي هو أساس وغاية نشاط المنشأة الخاصة من جهة أخرى.

سادساً: الدور الاجتماعي للنشاط الاقتصادي

السيدات والسادة:

مازالت تجارة النهضة في العالم تحدثنا بقوة عن أهمية البعد الاجتماعي للنشاط الاقتصادي الخاص وهو ما يقودني للركيزة السادسة التى أتطلع لتأسيس شراكة مجتمعي أعمال البلدين عليها. إننى أدعو مجتمعي الأعمال في البلدين إلى استشراف دور اجتماعي بناء تؤديه كل منشأة مشتركة تقيمونها معاً. إن قيام المنشأة الخاصة بإسهام فعال في التنمية المجتمعية للبيئة المحيطة بها إنما يوفر في حد ذاته قيمة مضافة لنجاح المشروع الخاص وتأصيل إسهامه داخل بنية المجتمع من خلال أنشطة اجتماعية للتدريب وبناء القدرات وتوفير الخدمات وتحسين الأوضاع المعيشية وغيرها من الأنشطة، وهو لا شك إسهام يتفق مع الاحتياجات العملية للمجتمع في دولة نامية تتطلع لتكامل جهود التقدم والتنمية وضرورة ارتباطها بالمواطن العادي وحياته اليومية واحتياجاته المعيشية الرئيسية وبناء قدراته لتأهيله لدور إيجابي في نهضة المجتمع ككل.

سابعاً: الانفتاح على العالم:

السيدات والسادة:

اسمحوا لي أن أختتم كلمتي بتعريف الركيزة السابعة والأخيرة التي أرى أن تتأسس عليها الشراكة الإستراتيجية بين مجتمعي الأعمال الصيني والمصري. ذكرت أن مصر والصين هما أقدم وأعرق حضارتين في تاريخ البشرية. ومن أهم خصائص العراقة هو الإسهام الذي تقدمه الحضارة في إثراء البشرية وهو إثراء لا يمكن أن يتم إلا بالانفتاح الواعي والتواصل البناء مع العالم الخارجي وهي سمة تميزت بها حضارتا مصر والصين عبر آلاف السنين. إن الشراكة التى نؤسس لها اليوم بين مصر والصين هي شراكة منفتحة على العالم غير منعزلة عنه، شراكة تفتح زراعيها للعالم ليستفيد منها ولا تستأثر بالنفع لنفسها، شراكة لا توجد ضد أحد بل تمد يدها لخير العالم. إن مصر والصين اللتين نهل العالم من علمهما وحضارتهما وانجازاتهما الرائدة في تاريخ البشرية هما نفسهما البلدان اللذان يقدمان للعالم اليوم نموذجاً يحتذى للشراكة الاقتصادية التي تتعاطى مع العالم الخارجي بكل الوعي والانفتاح من أجل مستقبل أفضل للبشرية. وتتأسس تلك الشراكة على رؤية مشتركة للتحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي وأولوية العمل نحو إصلاح حكومة الاقتصاد العالمي بهدف التمثيل العادل لمصالح الدول النامية. ومن جانب آخر، أدركت الصين ومصر، باعتبارهما جذور أصلية وقيادية للدول النامية أن التعاون بين دول الجنوب يمثل دافعاً أساسياً للنمو الاقتصادي الذي شهدته الدولتان في الأعوام السابقة، بل تمثل خصوصية العلاقات المصرية- الصينية رافداً أساسياً لهذا التعاون، ونسعى جاهدين لضمان تدفقه لما فيه خير لشعوبنا وشعوب دول الجنوب.

أشكركم على حسن استماعكم وأتمنى لكم التوفيق، وأعدكم أنى لن أدخر جهدا في متابعة مسار تعاونكم وإنجازاته وتقديم كل الدعم له بالتعاون مع القيادة الصينية الصديقة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



[1] الهيئة العامة للاستعلامات