إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


 


خطاب الدكتور محمد مرسي يوم 24/6/2012

حوار الرئيس محمد مرسى لصحيفة الأهرام[1]

في 7 يونيه 2013

الأهرام: بنهاية هذا الشهر يكون عام كامل قد مر على توليكم المسؤولية، هل ترون أنكم حققتم الهدف الذي كنتم تنشدونه؟

الرئيس: الأمل دائما موجود في أن الله وفق هذه الثورة، ونسـأل الله أن تكتمل لتحقيق أهداف أبناء مصر. ثورة قامت ضد الفساد، ضد الهيمنة، ضد التزوير والديكتاتورية، ضد غياب الحريات وعدم العدالة في توزيع الثروة، وعدد قليل يمتلكون مقدراته وثرواته، الثورة كانت على موعد مع رغبات وأهداف الناس، وتحاول تحقيق ما تستحقه مصر من تقدم، وارتقاء في سلم الحضارة.

مصر لها تاريخ طويل وحضارة وموارد، لكن عم فيها الفساد، وبالتالي قامت الثورة وتوحد المصريون على قلب رجل واحد، التف الناس وتوحدوا لاقتلاع النظام وإزالته، وتحقيق تحول ديمقراطي وتأصيل معني دولة القانون والدستور، وتوفير حاجات الناس، وما يستحقه المصريون أكثر بكثير مما هو موجود.

تحقق بعض الأهداف، والبعض الآخر لم يتحقق، الأمل دائما موجود في الله، ثم في أبناء مصر وقدرتهم على أن يحملوا المسؤولية، وأن يصلوا إلى المستوى الذي يليق بهم، وتكامل كل ذلك ينتج حضارة كبيرة.

إن هذا الأمل الذي يحدونا في الله، ثم في أبناء مصر وإمكانات شعبها ومواردها وتاريخها وموقعها ومعتقدات أبنائها، كل هذه عوامل نمو وازدهار وحضارة، نريد تحقيق الأهداف الكبيرة في إدارة مصر.. الديمقراطية في قيادة مصر، الحرية الكاملة لأبناء مصر، العلاقات الخارجية المتميزة، الانتخابات الحقيقية، العدالة الاجتماعية.

لماذا يستمر الأمل على الرغم من الصعوبات، لأنه بالفعل والقول تصل الشعوب إلى غاياتها وتحقق أهدافها.

لابد أن نبذل جهدا كبيرا لكي نحقق النهضة والحضارة التي نريد والتنمية لتكون موجودة لنا ولأبنائنا ولأحفادنا ولأهل مصر، اذا كنا قد بذلنا جهدا كبيرا وبعض الدماء الذكية الغالية في الثورة فلابد ان نحافظ على هذا وإتاحة الفرصة كاملة للجميع للإنتاج والإبداع وإظهار القدرات.

الأهرام: بعد إعلان فوزكم في الانتخابات الرئاسية ذهبتم إلى ميدان التحرير، وأديتم اليمين هناك وأمام المحكمة الدستورية وبجامعة القاهرة، ولوحظ أن لديكم الكثير تريدون تحقيقه، هل مازلتم عند الرغبة والإصرار أنفسهما بعد مرور عام من تولي المسؤولية؟

الرئيس: إذا كان عام قد مر على تولي المسؤولية، وكذلك النشوة التي كانت لدي المصريين جميعا فهذا الأمل مازال يملأ صدورنا، لكن المسألة تحتاج إلى جهد، وبالتالي لا نسوف، ولكن نقول الحقيقة.

هذا الأمل أراه في أقوال الناس وتصرفاتهم، لابد أن ندرك أن مصر الكبيرة إذا أردنا لها أن تعبر ـ وإن شاء الله تعبر ـ لابد أن نتعاون ونتكامل، ونجمع الطاقات، ونحسن إدارتها، لكي نصل إلى ما نريد في أقصر وقت ممكن.

الأهرام: ما الذي كنتم تسعون إلى تحقيقه خلال العام المنصرم ولم تسعفكم الأوضاع لتحقيقه؟

الرئيس: يوجد محوران: الأول هو التعامل مع المشكلات في الحال، عندما ينتقل بلد كبير كمصر مما كان عليه من فساد وخلافه إلى حالة من التنمية الحقيقية، وينهض باقتصاده، ويؤسس لنهضة حقيقية، تقوم على العلم، فلابد أن تكون هناك مشكلات، والمشكلات الحقيقية هذه نوع من العمل، لابد أن تحل المشكلات الطارئة كالوقود والكهرباء والطرق والصحة، هذه مشكلات موروثة، ولابد أن يشعر المواطن بالاطمئنان، والثاني محور التنمية الحقيقية، لتحسين الخدمات والتأمين الصحي والاستقرار الوظيفي والأمن الحقيقي وإعمال القانون والنهضة الزراعية وامتلاك الإرادة والقرار والمشروعات الصناعية وتشجيع الصادرات وتقليل الواردات ودعم التبادل التجأرى وتشجيع البحث العلمي ونقل التكنولوجيا. هذه خطط كبيرة، والمحوران يسيران بالتوازي، فإذا طغي أحدهما على الآخر يصبح هناك خلل.

وستكون هناك مسؤولية كبيرة وجهود مطلوبة، مصر مليئة بالعلماء والخبرات العظيمة، إمكاناتهم ضخمة جدا، التجربة والواقع يؤكدان أن الإدارة السابقة لم تكن توظف الخبرات بالشكل الصحيح، وإنما كانت مجرد إطفاء حرائق.

عندما ننظر إلى هذا الحال بعد عام نجد لدينا مشكلات، حجم التحدي ضخم بضخامة الوطن وقيمته وسكانه وأبنائه وشواطئه وأرضه وتاريخه ومعتقدات أهله، وعلاقتهم بالعالم الخارجي وارتباط الناس بهم، كل هذه العوامل والمشكلات التي تواجهنا لننشغل بالمحور الأول، فإذا حدث ذلك كل الوقت فهكذا نلهث وراء التحضر، ونكون بذلك مشغولين عن التنمية الحقيقية، لا يجوز تهميش مصر عالميا، ولذا نحن ننشغل بالمحورين معا، والمحور الثاني مهم جدا، وبالتالي أنا أنظر إلى الاثنين، وأستعين بالكوادر الفنية، والناس الآن يريدون أن ننتقل بسرعة من مرحلة المشكلات إلى مرحلة الاستقرار، وهذا مهم، ولكن القيادة توازن بين دفتي الحركة أو رئتي المسار.

ومن هنا يأتي الحديث عن مرور عام، وماذا تحقق، لدينا مشكلات، ولكن حدثت أمور كثيرة في هذا العام، منذ عشرين عاما يعاني المواطنون صعوبة الحصول على البوتاجاز، مشكلة رغيف الخبز، حجم الفساد كان ضخما وأكبر مما تصورنا جميعا.

ونحن نرعي حق المواطن في الحصول على ما يحتاج، منظومة الطاقة نبذل فيها جهودا في كل اتجاه، لضمان وصول الدعم من الدولة إلى من يستحقه. أهم الإنجازات امتلاك الإرادة، ووضع أقدامنا على الطريق الصحيح، وإحساس المصريين بأنهم قادرون على فعل شيء.

لقد وجدت مشكلة الكهرباء والطاقة، وليس لدينا مشكلة في توفير الكهرباء ولكن المشكلة في توفير الوقود، النظام السابق أفرز منظومة غريبة، نصدر غازا رخيص الثمن ونستورد غازا بأسعار أعلي على الأقل ثلاثة أضعاف.

مصر دولة كبيرة لا يجوز أن تلغي عقودا مع الناس، القصور في وفرة الوقود والطاقة مشكلة، ولا بد أن نتحمل هذه المشكلات بعض الوقت، ونتحرك لكي نعيد النظر ونتعامل بجدية مع هذا الوضع المقلوب والغريب، لا يمكن أن نفك أنفسنا من هذه المسؤولية أو هذه العقود.

استيراد السلع والوقود يحتاج إلى عملة صعبة، وهذا أمر ليس سهلا أيضا، استنزفت العملة الصعبة في أمور أخرى، ومسائل غير أساسية لفساد النظام القديم. وهذا تحد صعب أيضا.

الاستقرار يحتاج إلى إنتاج، وعندما يكثر الإنتاج يستقر الاقتصاد، وجود المشكلات لا يعني عدم التعامل معها لحلها، ولا يعني ذلك أنه مبرر لتأخير وصول الخدمة للمواطن، نحن والمسؤولون نسعي إلى حل المشكلات الحالية بكل السبل والوسائل ليل نهار، ما أتمناه على أبناء وطني أن يدركوا أننا لا ندخر جهدا لحل تلك المشكلات.

الأهرام: الرأي العام يرى أن برنامج المائة يوم لم يتم تنفيذه على الرغم من مرور عام.. ماذا تقولون؟

الرئيس: عندما نعرض برنامجا في عملية انتخابية يكون العرض بحجم المشكلات الموجودة، أنا قلت إن حجم الفساد لم يكن متصورا، وتجذر حالة الافساد مفهوم، بقايا النظام السابق وتراكم المشكلات بالقدر الكبير.

أنا تكلمت عن خمسة مجالات: مشكلة الخبز تم حلها لضمان وصول الدعم في هذا المجال إلى من يستحق، مشكلة القمامة تم الإنجاز فيها بنسبة كبيرة، ووصلت 130 سيارة قمامة من الخارج، وسيؤدي استخدامها إلى نقلة نوعية، وهناك بعض الشركات تحاول استخدامها كمكون من مكونات الطاقة والاستقرار الأمني، لدينا تحديات أمنية كبيرة ممن لا يحترمون القانون، تم ضبط750 ألف حالة سرقة كهرباء خلال ستة أشهر.. أرقام مخيفة في تهريب السولار.. خلال ستة أشهر تم منع تهريب350 مليون لتر سولار، و85 مليون لتر بنزين في الداخل والخارج.

المنظومة الجديدة تقوم على استخدام الكروت الذكية لتوزيع الوقود، خاصة السولار، وليس المقصود منها تحديد الكمية للمستهلكين وإنما تهدف إلى ضبط التوزيع ومعرفة أين يذهب الوقود، وسوف نبدأ بالتطبيق على الشاحنات كمرحلة أولي ثم بعد ذلك على الأفراد، حتى نضمن الوصول بالسعر المخفض المدعوم إلى من يستحق، نحن بصدد تطبيق الكروت الذكية على الشاحنات، ثم بعد ذلك على المستهلكين في المرحلة الثانية. لا يمكن أن يضار مواطن، لكننا نمنع الفساد، نمنع التهريب حتى لا يباع للمواطن مرة أخرى بالسوق السوداء.

المحور الأمني منظومة تنهض لاتساع الوطن وظروف الثورة، الحريات جعلت البعض يرتكب أعمال عنف تجهد أجهزة الأمن وتستهلك إمكاناتها.

طبقا للقانون لم يعد هناك عذر، كفانا خروجا على الشرعية، كفانا مخالفة للقانون، كفانا استخداما للعنف، سنواجه بمنتهي الحزم قطع الطرق واستخدام السلاح وتعويق الإنتاج، هذه جرائم.

عام قارب على الانتهاء، وشهد الناس أننا لا نستخدم أي إجراءات استثنائية، وبالتالي لا مجال على الإطلاق لنرى أي تجاوز، لا بد أن يأخذ المواطن حقه.

نحن دولة قانون مستقرة ونحترم القانون وسنطبقه بكل حزم، النهوض بالمسائل الأمنية على اختلاف مستوياتها يحتاج إلى موارد كثيرة ووقت، يحتاج إلى النهوض بالجهاز نفسه من داخله، ونحن نعالج هذا، والمسؤولون عن ذلك يعملون الآن ليل نهار لتحقيق الاستقرار الأمني، وهذا مطلب من مطالب الثورة.

ومن الأمور التي أريد أن ينشرها الأهرام أنه لابد أن نمتلك نحن المصريين الغذاء والدواء والسلاح، هذا من خلال المحور الثاني، وهو الإنتاج المعرفي الذي يبنى على العلم.

ما وعدت به أسهر عليه ليل نهار، حجم التحديات أكبر بكثير مما كنا نعتقد ونتحدث، والشعب قادر بإذن الله، ثم بإنتاجه وصبره وتعاونه وتكامله على الانتقال إلى المرحلة الجديدة.

الأهرام: هل ترون أن بقايا النظام السابق مازال باستطاعتهم إجهاض فرص التقدم؟

الرئيس: هم يحاولون وهي محاولات معوقة، أعطينا الجميع فرصة لمدة عام، وهم ما بين متردد ومرجف ومروج للشائعات ومؤجر للبلطجية ومؤجج للعنف وضد الإنتاج والصناعة، ونحن نتعامل مع هؤلاء بالقانون، وما زلت أقول لكل المصريين إن الفرصة متاحة للجميع للعمل لمصلحة الوطن. الأمر لا يؤخذ بكلياته وإنما بتفاصيله، نظرة إلى المستقبل، لن يكون هناك مكان لفاسد ولا مفسد ولا مرجف ولا محرض لأن يستعدي أو يستأجر أو يدفع في اتجاه العنف، فذلك زمن انتهي ولن يعود مرة أخرى.

أقول لهؤلاء إنكم فشلتم وستفشلون وسوف يطبق عليكم القانون بكل حزم، ولن تأخذنا رأفة بمن يتجاوز القانون، كل من يرتكب جريمة سوف يحاسب عليها، لا نغض الطرف عن مخالف للقانون، المسألة تتعلق بتصرفات شخصية سيئة أفسدت الوطن.

الأهرام: هل هناك نماذج مرصودة؟ ولماذا تم التغاضي عنها؟

الرئيس: لم يتم التغاضي، وعندما تكون هناك معلومات وتتحول إلى أدلة ثبوت لا بد أن تتخذ الإجراءات، كل هؤلاء سوف ينالون جزاءهم بالقانون، فقد مضي زمن أخذ الناس بالشبهات، أجهزة الدولة، والعين الساهرة، ووجود النيابة العامة والقضاء، كل هؤلاء يعملون ليل نهار.

الأهرام: كيف ترون الحكم الصادر أخيرا في قضية التمويل الأجنبي؟

الرئيس: قضية التمويل الأجنبي قديمة، وأبعادها ووقائعها تمت قبل انتخابات الرئاسة، وبالتالي القضاء أخذ مجراه، ونحن نقول إنه مستقل وقادر على أن يصدر أحكامه بشكل موضوعي، وقادر على أن يحقق العدالة.

وأنا أنظر إلى حكم القضاء بكل احترام وتقدير، فهو حكم قضائي واجب النفاذ و الاحترام، أنا شخصيا أريد لمصر أن تكون دولة قانون بجد، يعني يحترم فيها أحكام القضاء ويطبق فيها القانون ويحترم فيها الدستور وكلنا نعتاد على هذا والعالم كله يجب أن ينظر إلينا هكذا.

الأهرام: البعض يري أن هناك من بين سلطات وأجهزة الدولة الرسمية من لا يتعاون لتحقيق أهداف وبرامج السلطة السياسية، بل هناك من يري أنها تعوق ذلك في بعض الأحيان، ما تعليقكم؟

الرئيس: نحن في منظومة الانتقال من حالة إلى حالة لابد أن نتوقع تحديات كثيرة، والمهم كيف نتغلب عليها، وكيف نوجد لها الحلول، ولا شك في أن النظام السابق قد بني حكمه على بعض القواعد الهشة التي تخالف القانون، ولا تحترم الناس، ولا إرادتهم.

وحينما يتحول الوطن من حالة نظام سيئ جدا إلى حالة من الديمقراطية، فهذا انتقال كبير وسوف يكون له معوقات، ربما التعويق بسبب عدم وجود وعي كاف وإدراك لطبيعة المرحلة، أو لاستفادتهم من النظام السابق، ولكن هناك كوادر وطنية تحب بلدها، هناك من يسعي إلى أن تقوم المؤسسات بدورها.

وأرى أن هناك تعافيا وخيرا كبيرا، وينبغي أن يعلم الجميع أن المرحلة مرحلة تكامل وتعاون وعمل مؤسسي ولا مكان لمتردد، المكان فيه متسع للجميع ما داموا يحترمون القانون، جميعنا أجراء عند هذا الشعب، وبالتالي على الجميع أن يؤدي واجبه.

الأهرام: بدا واضحا أن هناك خلافات حادة مع القوى السياسية، إلا أن الأمر يختلف حينما يتعلق بخلافات مع الأحزاب الإسلامية خاصة حزب النور، ألا ترى أن هناك شيئا ما خطأ كان يجب علاجه؟

الرئيس: الوطن يحتاج إلى جهود الوطنيين المخلصين، ونموذج سيناء موجود، حينما ناديت بالاصطفاف فلبى معظم الناس النداء وأيضا سد النهضة، ومياه النيل بالنسبة لنا كما قال شوقي وريد الحياة وشريانها.

في هذا الصدد رأينا كيف تتجمع كل القوى، وكيف كان الكل حريصا على أن يصطف خلف القيادة للحفاظ على كل قطرة من مياه النيل، يصطف المصريون الآن كما ترى في كل ألوان الطيف السياسي والإسلامي والآخر بوطنية عالية، الخلاف في الرأي داخل منظومة المصلحة العامة موجود، الود موجود بيني وبين كل التيارات لكي نصبح جسد فاعلا، لا يمكن أن نتطابق ولكن نتجانس، فهذا يثري التجربة وينفع ولا يضر.

الأهرام: الشارع المصري يتساءل الآن عن استراتيجية التعامل مع أزمة سد النهضة الإثيوبي، ومع الأزمات الخاصة بنهر النيل بصفة عامة، بعد ما تردد عن سدود عديدة تزمع دول أخرى إقامتها؟

الرئيس: بقدر حرصنا على التواصل واستمرار العلاقات الطيبة مع إفريقيا كلها، ومع السودان وإثيوبيا بصفة خاصة، إلا أننا حريصون في الوقت نفسه على ألا تمس قطرة واحدة من مياه النيل، واستراتيجية التعامل هي التواصل مع إثيوبيا حكومة وشعبا لكي نمنع أي ضرر حتى على الشعب السوداني الشقيق، وهذا القدر من الحرص يجعلنا نستخدم في ذلك كل الوسائل والسبل سواء مع أثيوبيا والسودان، أو مع باقي دول حوض النيل.

الأهرام: هناك وسائل عديدة لزيادة واردات مصر من المياه، سواء من خلال نهر الكونجو، أو من خلال قناة جونجلي وغيرهما من المشاريع.. هل توجد استراتيجية مصرية في هذا الشأن؟

الرئيس: الإضافة دائما تؤخذ بطريقة أكثر هدوءً في الطرح، وتأخذ وقتها في التنفيذ.

الأهرام: أرى أن سد النهضة الإثيوبي أصبح واقعا، وما يجري الآن من مفاوضات إنما يتعلق بتخفيض مستوى الضرر الواقع على مصر؟

الرئيس (بحدة وغضب): موقفنا ينطلق من عدم المساس بحصة مصر، ومنع الضرر كاملا، والحوار يدور الآن حول تفاصيل كثيرة، فالمعلومات الواردة منهم ليست كافية، ونحن نتحدث عن شعب صديق، المفترض أن يحرص على مصلحة مصر، كما تحرص مصر على مصلحته، ونحن من جهتنا لا نسمح لأنفسنا بأن نضر صديقا، وبالتالي نحن لا نتحدث عن منع تنمية دولة صديقة، ولكن السؤال هو كيف تكون التنمية؟ كل هذه المسائل مطروحة وقيد النقاش، ونتحرك في هذه الاتجاهات جميعا، ولا نتوقع أن يكون الصديق سببا في ضررنا، فالنيل هو شريان الحياة ومحور المستقبل للأجيال المقبلة.

الأهرام: متى يعود الأمن للمواطن؟ وألا ترى أن الغياب الأمني قد طال أكثر من المتوقع؟

الرئيس: لاشك في أن هناك تحسنا في الحالة الأمنية، جزء من الثورة المضادة والنظام السابق يحاول أن يظهر أن هناك مشكلة أمنية.. خطف هنا، أو اعتداء هناك، نعم موجود، ويؤرقني هذا الشعور، وإنما هي أفضل الآن، لكن مازال هناك جهد مطلوب، ويقع على عاتقي أيضا، وأتصور أنه سيأخذ بعض الوقت.

نحن على أبواب مرحلة انتخابات برلمانية، ونحن في حاجة إلى أمن، وإن شاء الله نعمل لتحقيق ما يرضي المواطن قدر المستطاع.

لم يعد هناك أي مبرر لأي خطأ في هذا المجال، ليس هناك مبرر واحد لترك من يحاول الاعتداء على الناس، قطع الطرق جريمة، التعدي على الناس جريمة، ترويع الناس جريمة، محاولات وقف العمل جريمة، هذه جرائم يعاقب عليها القانون، نتحرك لتلبية المطالب لكن لا يمكن قبولها لتعطيل العمل.

لدينا أكثر من23 مليونا يعملون بالقطاعين العام والخاص، بخلاف ثلاثة ملايين فلاح، وبخلاف التجار، ولا بد من ضمان أمن كل هؤلاء، أي محاولة للتأثير هي جريمة ولن يترك فاعلها، أكرر يكفي عام حدث فيه كثير من التجاوزات.

الأهرام: هناك اتهامات قوية للسلطة الرسمية بالتستر على قضايا، أو على معلومات في قضايا مهمة، مثل قتل الجنود في رفح، أو اختطافهم في العريش.. لماذا لا تكون هناك شفافية كاملة أولا بأول في مثل هذه الموضوعات؟

الرئيس: عدم إعلان التحقيقات لا يعني أنه لا توجد شفافية، هذه قضايا تتعلق بالأمن القومي، وفي مواقع لها خصوصيتها، وعندما تكتمل التحقيقات نعلن تفاصيلها، والقضية الأخيرة كلما وصلنا إلى شيء يتم الإعلان عنه، حتى لا نظلم أحدا، أو يؤخذ أحد بجريرة آخر.

إن الإعلان عن التفاصيل أثناء التحقيقات يضر ولا ينفع، الدولة المصرية كبيرة، والأجهزة الأمنية بها إمكانات كبيرة، وهذه الجهات تتعاون مع بعضها البعض على أعلى مستوى، وكل ذلك يتطلب معلومات.

الأهرام: هل هناك متورطون من خارج مصر؟

الرئيس: أتركها للتحقيقات، فهذه قضايا ليست سهلة، وعندما نتحقق أن هناك أي نوع من التأثير والتدخل من جهات أجنبية لا نتردد في اتخاذ إجراءات حاسمة.

هناك فرق بين أدلة الثبوت وبين التحقيقات، لا ننشغل بالتخمينات، نحن أمام تحديات إقليمية ضخمة ندركها جميعا، مصر دولة ضخمة، مصر أكبر دولة في المنطقة، والجيش المصري أقوى جيش في هذه المنطقة، ونحن نتحرك في إطار تنسيق كامل وكبير بين هذه الأجهزة من أبناء مصر أو من غيرهم، لا نسمح لأحد بأن يتدخل بسوء، وإذا ثبت لنا شيء يقيني فسوف نرد بمنتهي العنف ضد من يتخذ خطوة واحدة ضد الأمن القومي المصري.

الأهرام: كثيرون استقالوا من مواقع قيادية حتى من داخل قصر الرئاسة، بماذا تفسرون هذه الظاهرة؟ وهل هي ظاهرة صحية، أم أنه خطأ الاختيار منذ البداية؟

 

الرئيس: أرى أن هذا أمر طبيعي في سياقه في مرحلة الانتقال من حكم الفرد وديكتاتورية القيادة إلى العمل الجماعي والاستعانة بالكوادر بغض النظر عن انتماءاتها السياسية، فعندما يستعان بأحد المصريين، وبمرور الوقت يتضح أنه لا يرغب في الاستمرار في العمل في هذا الملف ويريد أن يخدم في مجال آخر، فهذا أمر طبيعي.

إنها دولة تنمو وتتطور، من خلال كوادر جديدة شبابية، وهذا أراه طبيعيا ومتفقا مع طبيعة المرحلة، فنحن الآن ندير أنفسنا بأيدينا، والمجالات كثيرة ومتسعة والمشاركة مطلوبة.

الأهرام: هناك أزمات للنظام الحاكم مع القضاء والإعلام، وعدم توافق في أوساط الشرطة، وما يتردد عن علاقات مضطربة مع الجيش.. أين تكمن الأزمة؟

الرئيس: لا.. إطلاقا، لا يمكن.. هناك توافق تام، وهذا كلام سيئ وغير صحيح ومغرض ومن يقول ذلك لا يعرف القوات المسلحة وهي الآن تستكمل بناء ضخما في الوطنية وهي في أحسن حال والطاعة لقياداتها والاتساق مع أهلها، فرئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة والمجلس العسكري والإدارة الوطنية، والمشروعات الكبيرة والتصنيع مؤسسات ضخمة تتكامل مع بعضها البعض بشكل تكاملي في منظومة واحدة، وكذلك العلاقة نفسها مع وزارة الداخلية.

وإذا أتينا للقضاء فله احترامه الكامل بكل من فيه من رجال كبار، فالحفاظ على القضاء مستقلا مستقرا أحد أهم أهداف رئيس الجمهورية، وينبغي أن يظل كذلك، وإذا حدث فيه عوار فيجب أن يعالج نفسه من الداخل، وأنا حريص على أن تمر المرحلة وأن يظل القضاء باستقلاله وألا يدخل في صراع مع أحد.

أما الإعلام فهو مكون أساسي للتنمية، وأرى أن الإعلام ليس أزمة بقدر ما هو سوء فهم، ويجب أن يتكامل مع الجميع، فأنا لست طرفا في أزمة مع أحد لأنني مسؤول عن الجميع، وفي الغالب الحالة تكاملية جيدة، ولكن إذا كان هناك طرف يضر فإن الواجب الوطني يحتم علينا جميعا أن ننظر في مصلحة الوطن لا في مصلحة الأفراد.

فالنقد البناء والرأي الآخر وتوجيه اللوم، كل هذا وارد، أما الهدم والتدمير والأخلاق غير المألوفة فهذا يرفضه الوطن ولن يعيش طويلا، إن من يتجاوزون قليلون، ولا يجوز أن تكون الحرية سبا أو تجاوزا، وكلنا يجب أن ندرك أهمية ألا نترك مجالا لهذه التجاوزات إن وجدت.

هل يستمر التجاوز أو الإساءة أو أعمال التحريف؟ هذا مرفوض، والواجب يحتم أن نعيد النظر فيه، وأدعو الجميع إلى النظر للمصلحة العليا للوطن، فنحن المصريين قادرون على أن نصلح ما يمكن أن يكون قد فسد في أي مؤسسة من المؤسسات.

الأهرام: الأزمات الاقتصادية داخل المجتمع تلقي بظلالها على الأسرة المصرية، مما عاد سلبا على نسبة الرضا على النظام الحاكم.. هل هناك جزء مفتعل في هذه الأزمات، وهل هناك بارقة أمل في حلها على المدى القريب؟

الرئيس: أريد في هذا المجال أن أقدم تقديري واحترامي للشعب المصري كله، أقدر له تحمله وصبره على هذه المشكلات الطارئة، وأريد أن يتأكدوا أني لا أبيت ليلا إلا بهذا الهم والاهتمام به والتفكير في حل المشكلات، وأدعو الشعب إلى التحمل حتى نمتلك إرادتنا، ومشكلاتنا سوف تحل إن شاء الله بالتدريج.

يؤلمني قطع التيار الكهربائي عن الناس، وأنا أوجه وأتصل وأناقش، وهناك تواصل يومي مع مشكلاته وإن شاء الله سوف تزول، والمصريون أهل لذلك، لأنهم يلفظون من وسطهم المتجاوز والفاسد والمجرم والمحبط الذي يبث روح اليأس.. واعتذأرى لكل الشعب عن وجود مثل هذه المشكلات فإن شاء الله نسهر جميعا لحلها، لأنه مازال عندنا بقايا فساد في إداراتها.. وإن شاء الله نبذل قصأرى جهدنا وليعذرنا الناس.

الأهرام: كيف تنظرون ليوم30 يونيه؟ وكيف ستواجهون الموقف؟ وهل هي زوبعة في فنجان تقف وراءها فصائل معينة، أم أنها رد فعل طبيعي للشارع تجاه أزماته اليومية؟

الرئيس: التعبير عن الرأي، العمل السلمي، الحرية الكاملة للجميع، إعلاء الصوت بالرأي الآخر وكذلك النقد البناء، وتقديم النصح والمشورة، والحركة العامة للمجتمع، وحرية تكوين الأحزاب. هذا كله أمر لا يقلقني بل يسعدني، أما الخروج على القانون أو استخدام العنف أو الترويج له فلن يقبل ولن يسمح به، فالوطن أكبر من الجميع واستقراره وأمن مؤسساته لن يسمح بتجاوزه.

أعرف أن هناك رغبة في التعبير عن الرأي، وأنا أقر ذلك، لكن لا يمكن أن نسمح بالعنف أو التعدي على مؤسسات الدولة وحركة المواطنين، فأي اعتداء عليها يمثل جريمة ستواجه بالقانون.

الأهرام: هل يخشي الرئيس محمد مرسي من انتخابات رئاسية مبكرة؟ وماذا ترون في مثل هذا المطلب، ومدى مشروعيته؟

الرئيس: نحن دولة فيها دستور وقانون، وأجرينا انتخابات حرة ونزيهة، والحديث عن انتخابات رئاسية مبكرة أمر عبثي وغير مشروع، نحن نتحدث عن وطن كبير، نريد أن ينصرف الناس إلى الحركة العامة في المجتمع لكي تجرى الانتخابات البرلمانية، أما الانتخابات الرئاسية المبكرة فأنا آخذها في إطار حرية الرأي، ولكنها لا تمثل على الإطلاق أي نوع من أنواع الحقيقة التي يمكن التحدث عنها بشكل شرعي أو قانوني، فهذا مخالف للقانون والدستور والعرف والإرادة الشعبية.

الأهرام: ماذا تتوقعون للانتخابات البرلمانية المقبلة؟ وهل ترون أن التأييد تغير في توجهات الرأي العام عن ذي قبل؟

الرئيس: أتمنى للراغبين في العمل السياسي أن يأخذوا حظهم كاملا، وأن يبذلوا قصارى جهدهم في شرح برامجهم، وأن يكونوا أداة فاعلة، وأن تكون لهذه الانتخابات ضمانات، وأنا مسؤول عن أن تخرج بنجاح.

الأهرام: قطاع عريض في الشارع المصري يرى الآن أهمية التصالح مع رموز النظام السابق بدءا من الرئيس السابق، وانتهاء بمن تم الحظر عليهم سياسيا من أعضاء الحزب الوطني، كيف تنظرون إلى هذا التوجه؟

الرئيس: هناك فارق كبير بين التصالح المجتمعي وبين غض الطرف عن الجرائم، فمن أفسد وخرب فهو مجرم، وإرادة الثوار والشعب المصري هي أن يعاقب هؤلاء.

وهناك مادة دستورية في هذا الشأن، وهناك قانون ممارسة الحقوق السياسية، ولدينا دستور واجب الاحترام من الجميع، لكن غض الطرف عن الجرائم لا يملكه أحد، فمن تسبب في هذه المشكلات، ومن خرب الوطن لابد أن يعاقب، حجم الفساد فاق أي عقل، نزحوا جهود المصريين إلى خارج البلاد، هؤلاء يجب أن يأخذوا جزاءهم بالقانون، ليس للتصالح معنى في هذا المجال لأن هناك إجراما والقانون يأخذ مجراه.

الأهرام: الشارع المصري يتوجس خيفة من قرارات اقتصادية مقبلة تتعلق بارتفاع الأسعار، والضرائب والجمارك، وما شابه ذلك في ظل ظروف يعانيها المواطن أساسا، كيف يمكن التعامل مع هذه المعادلة؟

الرئيس: لن يمس مصري واحد بقرارات اقتصادية في معيشته ومستلزماته وحاجاته وحاجة أبنائه، كل قرار هدفه الأسمى تحقيق مصلحة المواطن، وبالتالي يجب أن يطمئن الجميع إلى أن أحدا لن يمس، قد تكون هناك مناقشات لوصول الدعم إلى مستحقيه، لا بد أن يكون هناك إنتاج، ولا بد أن يكون لكل قرار الهدف الأسمى منه وهو تحقيق مصلحة المواطن، انظر إلى صاحب القرارات إنه المواطن أولا وأخيرا، ونحن لا نتحدث عن حجم ما يأخذه المواطن وإنما نسعي لضبط السوق من السرقة والتهريب حتى يصل الدعم لمستحقيه الحقيقيين.

الأهرام: هناك من يرى ـ بعد مرور أكثر من عامين على الثورة ـ أن حجم الفساد لم يتراجع.. هل توافقون على هذا الرأي؟

الرئيس: حجم الفساد تراجع كثيرا، لكن مازال هناك من يستحق المتابعة على مدى الساعة لمنع الاستمرار في الفساد، هناك حركة من الأجهزة ومن داخل الوزارات والمؤسسات، لن نترك فسادا بأي مكان دون أن نصل إليه لمنعه، والمستقبل سوف يكون أفضل بكثير.

الأهرام: بعيدا عن التصريحات السياسية، نريد أن نسمع كلمة حق لله والتاريخ، هل القضاء المصري يقوم بدوره المنوط به دون مواءمات أو توازنات بمنأى عن السياسة، أم أن السياسة قد أفسدت القضاء كما يردد البعض؟

الرئيس: القضاء المصري يقوم بواجبه، وإذا بدا أن هناك من يتجاوز فيتم التعامل معه من داخل مؤسسة القضاء.

أنا أحرص على الاستقلال بين السلطات الثلاث، ولا نسلك غير هذا، فعندما كان التشريع لدي رئيس الجمهورية لم أفعل، لأني أرى أن في ذلك ضررا على الوطن وعلي المؤسسة ولا بد أن نناقش بشكل واسع، ولكن هناك تنوعا في الآراء تجاه ما يحدث، والسلطة التنفيذية خارج هذا الإطار فضمان الحرية الكاملة للسلطات المختلفة واجب قانوني ودستوري وأحاول أن تكون مؤسسة القضاء فاعلة بدورها.

الأهرام: البعض يردد أن هناك مخططا لأخونة الوظائف العليا بالدولة، هل ترون أن من حق حزب الحرية والعدالة أن يفعل ذلك، أم أن مثل هذا التوجه غير موجود أساسا؟

الرئيس: حزب الحرية والعدالة ليس حزبا حاكما، والحكومة لم تشكل على أساس نسبة الوجود في البرلمان مع أهمية الوجود في البرلمان، لم يكن مفهوم الأغلبية أو الحزبية هو الذي يحكمنا، وإنما الكفاءة هي الأصل، بعد انتخاب البرلمان يجوز للتشكيل أن يختلف حسب الدستور.

أما الأخونة فهي عنوان مضلل، وكلام غير صحيح بالمرة أو مفهوم يضلل دون أن يدل على الحقيقة، فهو يناقض الواقع الموجود وما يقال عنه ليس له ظل في الواقع، كم حدث من تغيير في القيادات، لا نريد أن نقف أمام ذلك طويلا، نريد مصريين بغض النظر عن انتماءاتهم.

 

الأهرام: ارتفعت نبرة الحديث القبطي في الآونة الأخيرة عن الاضطهاد والتمييز، وما شابه ذلك، كيف ترون هذا الحديث؟

الرئيس: أقباط مصر أشقاء الوطن، أحباب الداخل والخارج، مصريون حتى النخاع، والمصريون أمام القانون سواء، وأمام الحقوق والواجبات سواء.

محاولات كثيرة جرت عبر التاريخ لاستغلال مثل هذه العناوين غير الحقيقية وفشلت جميعها، وأنا دائما أقول: ليس هناك في مصر مسلمون وأقباط، وإنما هناك مواطنون، جيران في العمل، وفي المنزل، وفي المدرسة، وفي الجامعة، وفي الحقل، وفي كل مكان، فلا أحد يسأل أحدا: هل هو مسلم أم قبطي؟ والحوادث تحصل بين مسلمين ومسلمين، وبين مسيحيين ومسيحيين، وأثق بأن نسيج الواقع المصري كذلك، فلا يوجد خلاف أبدا بين المصريين على أنهم مسلمون وأقباط، وقد يختلفون على أمور عادية، وهذا أمر طبيعي، مع الأخذ في الاعتبار أن الخلافات اليومية بين المسلمين وبعضهم البعض، أو بين المسيحيين وبعضهم البعض أكبر بكثير، ولذلك فإن من يروجون مثل هذه الشائعات خاسرون بالضرورة، ومن يراهنون عليها أيضا خاسرون.

الأهرام: وماذا عن حديث التشيع ومخاوف البعض، خاصة التيارات الإسلامية، في هذا الشأن؟

الرئيس: المسلمون في مصر كانوا ومازالوا وسيظلون ذوي طبيعة خاصة تتميز بالوسطية، وحب أهل البيت لا يتعارض مع كونهم أهل سنة وجماعة، ولذلك أرى أن هذا الموضوع يأخذ حجما في غير موضعه، لأننا نحن أهل السنة والجماعة في مصر عقيدتنا مستمرة، ولا مجال لمثل هذه المخاوف، أو مثل هذا الحديث، وطبيعتنا احترام الآخرين، واحترام معتقداتهم.

وأنا أقرر واقع المصريين أنهم أهل سنة وجماعة، بل الأكثر من ذلك أن مصر هي قبلة أهل السنة والجماعة، وهذا أمر معروف مع احترام وتقدير كامل للآخرين.

الأهرام: ماذا عن الوضع الميداني في سيناء الآن؟ وما استراتيجية التعامل معها في المستقبل؟

الرئيس: استراتيجية التعامل مع سيناء تنطلق من محورين: الأول تنموي، والآخر أمني، فمن حق أبناء سيناء أن تكون حياتهم آمنة، وأن يتبوأ أبناؤهم مواقع متميزة.

والمحور التنموي نتعمق في دراسته نظرا لأهميته سواء من حيث الخدمات التعليمية أو الصحية أو حفر الآبار، باختصار الوجود التنموي للدولة.

أما المحور الأمني، فيتعلق بأمن أهل سيناء، والمقيمين، وأمن الحدود، وهو محور مهم أيضا، ونحن من خلاله نتعامل بمنتهي الحزم والقوة، لكي نضمن لأبناء سيناء حياة هادئة، فهم مواطنون شرفاء، حريصون على أمن الوطن.

وهنا أود أن أقرر أن سيناء لم تغز أبدا من خلال أبنائها، بل كانوا دائما ومازالوا خير عون للدولة، ومن هنا فإن أمن أهل سيناء واجب علينا جميعا، ولذلك فإن وجود القوات بشكل مكثف يستهدف ضمان أمنهم، ومنع الجرائم، وسوف يستمر هذا الوجود الذي هو رغبة أبناء سيناء لوصول القانون إلى كل بقعة فيها.

الأهرام: ما استراتيجية علاقات مصر الخارجية؟ وإلى أي مدى تسير العلاقات مع إيران، وكيف ترون مستقبل هذه العلاقات، وجدواها بالنسبة لمصر؟

الرئيس: نحن نتحرك في السياسة الخارجية انطلاقا من ثلاث قواعد أساسية هي: التوازن، والندية، وتحقيق المصلحة المتبادلة، وعندما نتحدث عن المصلحة المتبادلة، فإننا نتحدث عن فتح آفاق جديدة للاستثمار، والسياحة، والطاقة الشمسية، والطاقة النووية، ونقل التكنولوجيا، والتصنيع المتطور، وتوفير الوقود، وتوفير العملة الصعبة، والاستقرار الإقليمي، وهذه هي محددات السياسة الخارجية لمصر حين يتعلق الحديث بأي دولة كانت.

الأهرام: ما الحقيقة في أزمة العلاقات مع دولة الإمارات؟ وهل هناك في الأفق ما يشير إلى تحسن وشيك؟

الرئيس: جميع الدول العربية لا توجد معها أزمات، فبيننا وبينهم كل محبة ورغبة حقيقية في التواصل، والدول العربية هي الأولي بالعلاقات القوية، وبالتبادل التجاري، لأن العروبة تجري في دمائنا جميعا، وما الإسهام المصري في نهضة وبناء الدول العربية إلا دليل على ذلك.

الأهرام: ولكن هناك من يهاجم مصر ويسيء إليها بتصريحات تحمل الكثير من التجاوزات؟

الرئيس: من يسيء هو الذي يخسر، والإساءة تصيب صاحبها، ويجب أن نضع في الاعتبار دائما أن مصر هي الدولة الكبيرة، أو الشقيقة الكبرى، ولا يمكن أن يغضب قادتها من خطأ يرتكب هنا أو هناك، فنحن نتعامل على أساس الثقة والمودة والصفح، ما لم يتضرر أمن مصر، فكل ما عدا ذلك نصفح عنه.

أنا أكلمك كلاما جادا، وليس إجابة سياسية، لدينا90 مليون مصري في الداخل والخارج لهم قيمة كبيرة، نحن جغرافيا وتاريخ، ولا مجال أبدا للحديث عن خلاف مع الأشقاء العرب، وإلا فما معنى الكبير، الكبير هو الذي يتحمل، وهذه مسائل تتلاشى، ولا تقوى على الصمود.

الأهرام: هناك من يرى أن العلاقات مع دول الخليج بصفة عامة ليست على المستوى الذي يأمله المواطن، هل ترى أن ذلك يتعلق بمخاوف هذه الدول من ثورات الربيع العربي بصفة عامة، أم تتعلق بشخص الرئيس السابق، أم مخاوف من الإخوان المسلمين؟

الرئيس: أؤكد ما ذكرته قبل أن أكون رئيسا، وبعد أن أصبحت رئيسا، من أن مصر لا تصدر الثورات، مصر الشعب والنظام لا تتدخل في شؤون أحد بالقدر الذي لا نسمح فيه لأحد بأن يتدخل في شؤونها، فالشعوب والحكومات في دولها أحرار يقررون لأنفسهم ما يشاءون، وإذا تقول أحد علينا سلبا بمثل هذا الحديث، فهو مفهوم خاطئ.

الأهرام: المراقبون لا يرون جهودا تبذلها السياسة الخارجية المصرية في هذا الصدد لطمأنة الآخرين بعدم التدخل في شؤونهم؟

الرئيس: على العكس.. بذلنا جهودا كثيرة، ومستمرون في ذلك، ومقتنعون به، ولن نقبل غيره.

الأهرام: كيف تنظرون لتوجس البعض من العلاقات مع دولة قطر على الرغم من المساعدات التي قدمتها لمصر؟

الرئيس: لا أعتقد أن هناك توجسا بهذا المعني، وأنا أرى أن قطر شعبا وحكومة يحبون مصر، ويحرصون على مساعدتها، وعلى علاقات متميزة معها، ويقفون معنا بدعم نقدره في هذه المرحلة الانتقالية بشكل واضح، فلا مجال على الإطلاق لأي توجس أو قلق، بل على العكس كل التقدير لهذا الدور.

الأهرام: كيف تنظرون لتأثير ما يحدث في تركيا الآن على الأوضاع في مصر؟

الرئيس: ما يحدث في تركيا خاص بتركيا، ولا أرى علاقة له بمصر، فتركيا دولة كبيرة، بها أحزاب وبرلمان، وإدارة حكم رشيدة، وبالتالي ما يحدث شأن داخلي.

الأهرام: كان لكم رأي في السابق في العلاقات مع الولايات المتحدة، ومحاذير من هذه العلاقات، كيف تنظرون إليها الآن من على كرسي الحكم؟ وما مدى التدخل الأمريكي في صناعة القرار المصري؟ ولماذا لم تقم بزيارة رسمية للولايات المتحدة حتى الآن؟

الرئيس: الولايات المتحدة دولة كبيرة، ولها معايير السياسة الخارجية المصرية نفسها، ونحن حريصون على العلاقة الجيدة معها، وحريصون على أن تقوم بدورها في العالم بشكل فعال، وبالتالي فإن محددات وعناصر التعامل معها تنطلق من تقوية هذه العلاقات، بالتوافق في كثير من الأمور.

وقد لا نكون متطابقين في الرأي في بعض القضايا مثل السلام في الشرق الأوسط، إلا أنني أراهم يحترمون إرادة الشعب المصري، ويتعاملون مع القيادة المصرية على أنها نتاج الديمقراطية، فلا يوجد تدخل من أي نوع.

أما بالنسبة للزيارة فهي مسألة ترتيب ليس أكثر، حيث كانوا منشغلين حتى نهاية العام الماضي بالانتخابات الرئاسية، ولكن ليس هناك ما يمنع الآن من القيام بزيارة، وقد تحدث في المستقبل القريب، وهناك دول كثيرة زرتها خلال الشهور الماضية، ودول أخرى كثيرة أيضا لم أزرها حتى الآن، فلا أستطيع فعل كل شيء في وقت واحد، إلا أن ما أود تأكيده هو أنني حريص على العلاقات مع الولايات المتحدة.

وأريد أن أوضح شيئا مهما وهو أن لدينا في مصر روحا جديدة، ولسنا قلقين، فنحن الآن فقط نمتلك إرادتنا، وبالتالي لابد أن نتعامل مع العالم كله بحرية كاملة، وإرادة كاملة، ولدينا الآن منظومة عمل كبيرة جدا تنشد التنمية الحقيقية، والمصريون يحملون رسالة سلام إلى هذا العالم بثورتهم، ويستعدون بالإنتاج لكي يكونوا في مصاف الدول المتقدمة، ونحن نعمل على جميع المحاور، ولا ننسي إفريقيا ودول حوض النيل التي هي جزء لا يتجزأ من أمن مصر القومي.

وسوف نحقق إنجازات كبيرة بإرادة كاملة، ولا مجال للعودة أو التراجع عن هذه الإرادة التي نستحق أن نمتلكها الآن في المجالات المختلفة السياسية، والتجارية، والاستثمارية، والتنموية، مما يجعلنا نتعامل بندية كاملة، خاصة أننا ندرك تماما ما يجري في هذا العالم.

ومن هنا فقد آن الأوان لهذا الوطن أن ينطلق إلى آفاق جديدة، ولن يستطيع أحد أن يوقف انطلاقه.. قال تعالي: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).. وقال تعالي: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ).. وعندما نأخذ بالأسباب يفتح ربنا على هذا الشعب فتحا واسعا.. (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا).

الأهرام: العلاقات مع إسرائيل كيف تسير في ظل احتلال أراض عربية، خاصة القدس الشريف، في ظل موقف الإخوان المسلمين التاريخي من احتلال هذه البقعة ذات الخصوصية لدي المسلمين؟

الرئيس: كان هناك اجتماع لوزراء الخارجية العرب بالقاهرة أخيرا، وكان الموضوع الرئيسي حول شركتين فرنسيتين تقومان بإنشاء خطوط مترو في المدينة المقدسة وتغيران من معالمها، ولذلك فقد اتصلت بالسيد أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي باعتبار مصر رئيس الدورة، وقد خرجنا ببيان يدين هذا الفعل.

وأستطيع أن أؤكد أن القضية الفلسطينية كانت وستبقي عقل الشعب المصري ووجدانه، ونحن لا نتخذ قرارات بالنيابة عنهم، وإنما هم يقررون ونحن ندعمهم، سواء في المحافل الدولية، أو بفتح الحدود، وندعم أيضا حكومتهم في رام الله، ونرعي مصالحهم، فقضيتهم بالنسبة لنا محورية.

وأما فيما يتعلق بارتباطنا بمنظومة المنطقة واتفاقية السلام، فنحن دولة كبيرة نحترم الاتفاقيات، لكننا نرصد ولا نسمح بأي تجاوز أو عدوان يتجاوز هذه الاتفاقية بحال من الأحوال.

الأهرام: بدا واضحا في الآونة الأخيرة أن هناك تغيرا طرأ على الموقف المصري تجاه الأزمة السورية، هل هذا صحيح؟ وكيف ترون الحل الأمثل لهذه الأزمة في ظل التطورات الجارية؟

الرئيس: لم يحدث أي تغيير في الموقف المصري، بل نحن أكثر إصرارا على تغيير هذا النظام بعد ما ارتكبه من جرائم في حق شعبه، ونحن ندعم الشعب السوري، وإراقة دمائهم تؤلمنا جميعا، والسوريون منا ونحن منهم، ولابد أن يحصل الشعب هناك على حقه كاملا، ويمتلك إرادته كاملة أيضا.

الأهرام: في الختام، نود توجيه كلمة للشعب المصري في هذه المرحلة الانتقالية من تاريخه؟

الرئيس: الشعب المصري شعب عظيم، أجله وأقدره، وأطمئنه بأن هدفنا هو الاستقرار، والتنمية، والعلم، والتكنولوجيا، ومصلحة المواطن هي التي تقود حركتنا، وتدفعني شخصيا إلى بذل كل ما أملك من علم ودراية لتحقيق هذا الهدف، وهذه المنظومة سوف تقودنا إلى الاستقرار في المستقبل القريب إن شاء الله.. قال تعالي: (وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً) صدق الله العظيم.

 



[1] الهيئة العامة للاستعلامات.