إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


 


البيان الختامي الصادر عن الدورة العاشرة لمؤتمر القمة الإسلامي

مؤتمر القمة الإسلامي الحادي عشر، دورة الأمة الإسلامية في القرن الحادي والعشرين، داكار – جمهورية السنغال

المصدر: "منظمة المؤتمر الإسلامي، جدة"

 

إعلان داكار

بشأن دورة الأمة الإسلامية في القرن الحادي والعشرين

الدورة الحادية عشرة لمؤتمر القمة الإسلامي

داكار، جمهورية السنغال

13 – 14 مارس 2008م

نحن، ملوك ورؤساء دول وحكومات البلدان الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، المجتمعين بمناسبة مؤتمرنا العادي الحادي عشر في داكار، عاصمة جمهورية السنغال، من 5 إلى 6 ربيع الأول 1429هـ، الموافق 13 و14 مارس 2008م؛

وقد قدرنا حق التقدير الأهمية التاريخية لهذا المؤتمر، المنعقد في السنوات الأولى من الألفية الثالثة المتميزة بتحولات عميقة على الصعيد العالمي، ولا سيما على كل من الصعيد الأيديولوجي والسياسي والاقتصادي والعلمي والتكنولوجي.

يضاف إلى ذلك أن مؤتمر القمة الحادي عشر لمنظمة المؤتمر الإسلامي، هو المؤتمر الأول بعد دورتنا الاستثنائية الثالثة، التي عُقدت في مكة المكرمة، بالمملكة العربية السعودية، يومي 5 و6 ذي القعدة 1426هـ، الموافق 7 و8 ديسمبر 2005م، وهو لقاء يتجلى طابعه التاريخي، والمفخرة الكبرى التي استمدتها منه الأمة الإسلامية، في برنامج العمل العشري المعتمد بتلك المناسبة.

لقد أكدنا مجددا على الخطوط الرائدة لهذا البرنامج، في سبيل مواجهة التحديات التي تجابه الأمة الإسلامية في القرن الحادي والعشرين، وذلك في سعي العالم الإسلامي المتواصل لاستغلال جميع الفرص المتاحة له، كي يستفيد من التنمية المستدامة، في جو من السلام والأخوة في الله والتضامن النشيط.

وإننا لفخورون بأن نعلن للعالم، مرة أخرى، أن الأمة الإسلامية محظوظة، أمام هذه التحديات، بأن تستمد من التعاليم السامية للقرآن الكريم الحلول المناسبة للمشكلات المعاصرة التي تستوقف المجتمعات البشرية. ذلك أن الإسلام، الذي هو دين التفاني التام لله جلت قدرته، هو أيضا وسيلة لا يُستعاض عنها للتقدم في هذه الدنيا، فالحق أن رسالته لخلاص الإنسان، تشمل ميادين الوجود كافة.

وعلى ضوء هذا التصور، رأينا أن مؤتمر القمة الحادي عشر لمنظمة المؤتمر الإسلامي، المنعقد تحت شعار "دورة الأمة الإسلامية في القرن الحادي والعشرين"، يشكل استمرارا موفقا لمؤتمر القمة الاستثنائي في مكة المكرمة، لأنه أتاح إرادتنا السياسية المشتركة أن نحقق، مرحلة بعد أخرى، الأهداف النبيلة التي تسعى إلى تحقيقها الأمة الإسلامية.

وفي هذا السبيل، نعتبر أن الوحدة الضرورية للأمة الإسلامية، ينبغي أن تبقى في قلوبنا وأذهاننا غاية قصوى تُملي، على صعيد دولنا، اتباع سلوك ينزع إلى تجاوز ومراعاة القيم والمصالح المشتركة، مقارنة بعوامل التفرقة والكراهية والصدام.

وحتى خارج نطاق الأمة الإسلامية، فإن كبار قادة دول العالم الإسلامي، يجددون تمسكهم بصون السلم والأمن الدوليين، وهو هدف من أهداف منظمة المؤتمر الإسلامي. وانطلاقا من ذلك، التزام المنظمة التام بالرسالة الجوهرية لمنظمة الأمم المتحدة في هذا السبيل، وكذلك الالتزام بالشرعية الدولية كأداة يجب أن تكون قاعدة تنطبق على الجميع، بغض النظر عن أي سياسة للكيل بمكيالين.

ولهذا السبب، نعلن مجددا عزمنا على العمل في سبيل نصرة جميع قضايا الأمة الإسلامية، في إطار ما نصت عليه القرارات، التي اعتمدها المؤتمر الإسلامي، ومنظمة الأمم المتحدة، في هذا الصدد.

وانطلاقا من هذه الرؤية، نؤكد من جديد رسميا، أنه لضمان السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط، فمن الضروري تطبيق جميع قرارات مجلس الأمن بشأن القدس الشريف، التي تشكل قضيتها أساس إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي، وبشأن ممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف بتأسيس دولة مستقلة، لها حدود دولية مضمونة.

وُندين مجددا رفض إسرائيل، الذي تحول إلى سلوك ثابت، الامتثال الكامل لهذه القرارات، وإتاحة إنشاء دولة فلسطين المستقلة، والقدس الشريف عاصمة لها، من دون أي انقطاع في وحدة أراضيها، وتحرير هضبة الجولان السوري، واحترام سلامة أراضي لبنان وسيادته.

إننا نؤكد من جديد تضامن جميع دولنا مع الكفاح البطولي للشعب الفلسطيني، الذي نحيي بسالته المثالية التي سطرت أزهى صفحات تاريخ الأمة الإسلامية.

ونعلن، مرة أخرى، موقفنا المشترك بشأن التسوية الشاملة للمشكلة الفلسطينية، طبقا لقرارات منظمة المؤتمر الإسلامي، وقرارات الأمم المتحدة، والمبادرة العربية للسلام، وخريطة طريق الرباعي، وذلك في إطار التمسك الثابت لمنظمة المؤتمر الإسلامي بعملية السلام في الشرق الأوسط.

إن إيماننا بهذا الخِيار الاستراتيجي في السعي إلى تحقيق السلام في هذا الجزء من العالم، الذي انطلقت منه شتى الرسائل الروحية الداعية إلى محبة الإنسان، إنما هو تعبير عن رسوخ ارتباطنا بقيم الإسلام، دين السلام الذي يحظر جميع أشكال الاستبعاد والتطرف، والذي يتجلى في الاقتباس التالي المستمد من إحدى سور القرآن الكريم: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".

واستنادا إلى هذا الاقتناع الراسخ، فإننا نحن، ملوك ورؤساء الدول والحكومات الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، نجدد التزامنا بالعمل بمزيد من الجهد في سبيل أن يتجلى الوجه الحقيقي للإسلام عبر أنحاء العالم كافة، وفقا للخطوط الرائدة الواردة في برنامج العمل العشري الصادر عن مؤتمر القمة الاستثنائي الثالث بمكة المكرمة، تلك الخطوط التي ترمي إلى مكافحة الإسلاموفوبيا التي تروم تشويه ديننا.

وبذلك نبقى ثابتين في إدانتنا الحازمة للتطرف والتفكير اليقيني بجميع أشكالهما وتجلياتهما، وهما مناقضان للإسلام، دين الاعتدال، والرصانة، والتعايش السلمي. وبهذا المعنى نؤيد فكرة حوار الحضارات، ونعتبر أنه من الأهمية بمكان في هذا السبيل توقع مرحلة تمهيدية، وذلك بتنظيم لقاء دولي كبير حول الحوار الإسلامي المسيحي، يضم الحكومات وغيرها من الأطراف الفاعلة.

وبناء على هذه الاعتبارات المرتبطة بمعتقداتنا الدينية، ندين مجددا الإرهاب بكل أشكاله وتجلياته، بالرجوع إلى برنامج العمل العشري المعتمد في مؤتمرنا الاستثنائي الثالث للقمة، الذي يشير إلى أن الأمر يتعلق بـ"ظاهرة عالمية لا ترتبط بأي دين، أو عرق، أو لون، أو بلد"، وأنه يجدر تمييز هذه الآفة عن "المقاومة المشروعة للاحتلال الأجنبي، التي تحظر إراقة دماء المدنيين الأبرياء". وإن اعتماد اتفاقية لمنظمة المؤتمر الإسلامي بشأن الإرهاب، وغيرها من المبادرات ذات الطابع الدولي في الفضاء الإسلامي لمكافحة الإرهاب، وكذلك مشاركة المنظمة في الجهود الرامية إلى اعتماد مدونة سلوك دولية لمكافحة هذه الظاهرة المقيتة، لتترجم رفضنا التام لها.

وإذ نشاطر المجتمع الدولي تماما مشاعر القلق حيال الإرهاب، فإننا نؤكد انشغال منظمة المؤتمر الإسلامي المتواصل بأن لا تتخلف عن ركب الأنشطة الجماعية، الرامية إلى مواجهة التحديات الكبرى التي تجابه الأمم في نطاق العولمة. وهكذا، فإننا نولي الكثير من الأهمية لمفهومي حقوق الإنسان والحكم الرشيد، قصد ترويجهما بصورة متواصلة في كل دولة من دولنا، على اعتبار أنهما عاملان أصبحا لا مندوحة عنهما في سبيل تقدم البشرية وازدهارها.

وبدافع من الانشغال ذاته بأن تضطلع منظمة المؤتمر الإسلامي بدورها الكامل في التغلب على المشكلات الناجمة عن العولمة، نؤكد رغبتنا السياسية في استحثاث أو دعم جميع المبادرات، الرامية إلى تحقيق عدة أشياء من بينها مكافحة الكوارث الطبيعية، والتصدي للتحديات البيئية التي تهدد البشرية، واستئصال الفقر، والمشاركة الكاملة في الحملة العالمية للقضاء على الهوة الرقمية، ولا سيما بتسديد مساهمات طوعية، ومواجهة القضية المؤرقة المتمثلة في الطاقة باعتبارها عاملا حيويا في التنمية، وكذلك النهوض بالمرأة والأسرة والطفولة، ذلك النهوض الذي بات متطلبا من المتطلبات الكبرى للمجتمع.

وإذا كانت منظمة المؤتمر الإسلامي تبدي هذا القدر من الاهتمام بالمساهمة في التغلب التدريجي على التحديات، التي تستوقف العالم المعاصر، فهي لا تملك إلا أن تقوم بما هو أكثر فيما يتعلق بالدول الأعضاء فيها والأقليات المسلمة، وذلك باستلهام تعاليم الإسلام، وبالأخص واجب التضامن الإسلامي.

إن التعاون فيما بين البلدان الإسلامية في مجالات الاختصاص، التي تشملها اللجان الدائمة الثلاث التابعة للمنظمة، واجب ملح تمليه في آن واحد الدروس والمتطلبات الجديدة للتنمية، التي ينبغي لدولنا أن تجني منها المنافع، وتحدد عواقبها الوخيمة، ولا سيما على صعيد الثقافة الإسلامية، وذلك لمكافحتها بفعالية.

نحن، ملوك ورؤساء دول وحكومات البلدان الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، إذ نعي بالغ الوعي هذا الواجب الذي ينبغي أن يستند القيام به دائما إلى مفهوم التضامن الإسلامي، فإننا نؤكد مجددا الأولوية التي نوليها لتحقيق هذا الهدف المثير للحماس، وذلك بالقيام في آن واحد بتعبئة السلطات العمومية والقطاع الخاص، الذي أصبح أمرا جليا دوره الحاسم في إنجاز هذا المشروع الكبير الخاص بالتعاون فيما بين المسلمين.

وفي هذا الصدد، استرعت الأوضاع في إفريقيا اهتمامنا بشكل خاص، إبان انعقاد القمة الإسلامية الحادية عشرة على أرض السنغال. ذلك أن مشكلات الفقر المثيرة للقلق التي تواجهها هذه القارة، كان ينبغي أن تحث بقية الأمة الإسلامية على أن تهب هبة تضامن مدوية، نظرا إلى الموارد الهائلة والطاقات الاقتصادية التي حباها بها الله جلت قدرته، وذلك بالضبط حتى تتصدى لما يعترضها من مصاعب في الوجود، وتنزل بكامل ثقلها على الساحة الدولية. وانطلاقا من هذه الحقيقة، فقد أولينا نحن، قادة الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، أعظم الأهمية للتعجيل بتنفيذ الأحكام المتضمنة في برنامج التنمية العشري المتعلقة بـ "دعم التنمية ومكافحة الفقر في إفريقيا". وهكذا اتفقنا على أن نسجل من بين أولويات العمل الإسلامي المشترك، قيام الدول الأعضاء المانحة بتخفيف الديون الثنائية والمتعددة الأطراف المستحقة على البلدان الإفريقية ذات الدخل الضئيل، والمنتمية إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، وذلك بالأحرى لأنه "ينبغي أن توجه عناية خاصة إلى إفريقيا، باعتبارها أكثر المناطق تضررا من الفقر، والأمراض، والأمية، والجوع، وعبء الديون"، وفقا لما ورد في برنامج التنمية العشري. وينبغي أن يتم هذا التخفيف بنسب وآجال، تراعي العبء الثقيل للديون في الاقتصادات الإفريقية.

وانطلاقا من نية التضامن هذه، نلزم دولنا بأن تقوم في أقرب الآجال بإمداد صندوق التضامن الإسلامي، الذي أُنشِئ في نطاق البنك الإسلامي للتنمية، بما يعادل رأسمَالِه البالغ 10 مليارات دولار. ونرحب بالمساهمات التي سبق أن أعلنت عنها بعض البلدان المانحة الأعضاء في المنظمة.

وفي إطار رغبتنا المشتركة في جعل القمة الإسلامية الحادية عشرة، بداكار، منعطفا في مجال تفعيل التضامن الإسلامي، أولينا أيضا الكثير من الاهتمام للتعبئة الضرورية للزكاة في نطاق المنظمة، وفقا لما تمليه مبادئ التبصر والفعالية في تخصيصها للمعوزين، مما سيجعل هذا الركن من أركان الإسلام محورا حيا للتضامن الإسلامي.

إن النهضة الإسلامية التي نطمح في بنائها، ولا سيما منذ قمتنا الاستثنائية الثالثة في مكة المكرمة، لا بد أن تتجسد كذلك في تسريع تنمية الموارد البشرية الرفيعة المستوى في دول المنظمة، وذلك بإيلاء أهمية خاصة إلى جملة شعب تعليمية، من بينها العلوم والتكنولوجيا التي يشير برنامج العمل العشري الذي وضعناه إلى طابع الأولوية الذي يميزها.

وبناء عليه، فإننا نحث الدول الأعضاء في المنظمة، ولا سيما بدعم من البنك الإسلامي للتنمية من خلال برنامجه الخاص بالمنح المكرسة لأنواع التأهيل من المستوى العالي، على العمل من أجل تعليم جيد يرمي إلى تشجيع ملكة الإبداع، والبحث، والتجديد، والتنمية، وفقا لما ورد في برنامج العمل العشري.

وفي نطاق حركة التجديد الإسلامي نفسها، نوجه النداء إلى دولنا وعلمائها كي تتعبأ ويتعبأوا في سبيل التوصل إلى توحيد التقويم الإسلامي، مما يؤدي إلى تعزيز تماسك صورة الإسلام في العالم.

إن تحقيق جميع المطامح الواردة أعلاه، لا يتطلب من الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، أن تقدم مساهمتها بجهد تدريجي وواثق فحسب، بل والتعزيز المناسب لقدرات عمل الأمانة العامة للمنظمة، والتحسين المتواصل لآليات عمل المنظمة، عن طريق مراجعة ميثاقها. وقد آلينا على أنفسنا أن نلتزم بهذه التوجهات، كي تحظى منظمة المؤتمر الإسلامي بمزيد من المصداقية في الساحة الدولية.

وفي هذه السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، نمد أيدينا إلى قادة العالم، والمنظمات الدولية الحكومية، التي تسعى إلى تحقيق أهداف السلام والتعاون نفسها، التي تسعى إليها منظمة المؤتمر الإسلامي، وذلك حتى نبني في انطلاقة مشتركة بشرية متصالحة مع ذاتها، بتعميق القيم التي تتقاسمها الشعوب، وتكافل الأمم من خلال تعاون مثمر، في ظل احترام الخصوصيات الدينية والثقافية.

وهذا هو كل ما يرمي إليه حوار الحضارات، الذي كان موضوع إعلان في قمة طهران الإسلامية الثامنة، وهو فكرة نبيلة كفلتها الأمم المتحدة باعتماد اتفاقية دولية من أجل مدونة سلوك، تمجد التعارف والتقارب بين شعوب كوكبنا الأرضي.

-----