إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


 


بلاغ مكة المكرمة

مؤتمر القمة الإسلامي الرابع الاستثنائي، دورة " تعزيز التضامن الإسلامي"

مكة المكرمة – المملكة العربية السعودية

المصدر: "منظمة المؤتمر الإسلامي، جدة"

 

ميثاق مكة المكرمة

الصادر عن الدورة الاستثنائية الرابعة لمؤتمر القمة الإسلامي

26-27 رمضان 1433هـ

الموافق 14-15 أغسطس 2012م

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ميثاق مكة المكرمة لتعزيز التضامن الإسلامي

نحن ملوك ورؤساء وأمراء الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، إذ نجتمع في الدورة الاستثنائية الرابعة لمؤتمر القمة الإسلامي المنعقد بمكة المكرمة بتاريخ 26-27 رمضان المبارك 1433هـ الموافق 14-15 أغسطس 2012م، نتوجه بالحمد والثناء لله عز وجل الذي أنعم علينا بهذا اللقاء في شهر رمضان الكريم، وفي عشره الأخيرة المباركة التي تفتح فيها أبواب السماء وتقبل فيها الدعوات وصالح الأعمال، ونحمده سبحانه أن قيض لنا الاجتماع في البلد الحرام مكة المكرمة، قرب الكعبة المشرفة، حيث انطلقت رسالة الإسلام وشع نور الرسالة المحمدية، التي أرست قواعد البناء الحضاري الإسلامي الذي أثرى الحضارات الإنسانية، وأفادها بما يقويها صلة بخالقها وإعماراً للأرض التي استخلف الإنسان فيها، وأمر بإقامة مبادئ العدل والسلام عليها.

وإننا إذ نستلهم المبادئ السامية للرسالة الخالدة التي انطلقت من ربوع هذا المكان المقدس وأضاءت الأمصار بنور الحق المبين، وأخرجت العالم من ظلمات الجهل إلى نور العلم والمعرفة، ومن غياهب الاستبداد إلى آفاق العدل والحق والإحسان، ومن الفرقة والتناحر إلى الوحدة والتعاضد والتضامن.

وإذ نستذكر الأهداف والمبادئ الأساسية التي قامت عليها منظمة التعاون الإسلامي، وما كانت تنعم به دولنا من سلام وأمان لا مكان فيه للتطرف والغلو.

فإننا نجد أنفسنا اليوم في واقع اختلفت فيه المقاصد، وتنوعت فيه الغايات، وتلاشت فيه القيم، وكثر الظلم، وتخلف البناء الحضاري. واقع أليم، استشرى فيه الشقاق وكثرت الفتن، وبات فيه العالم الإسلامي مهدداً بالتشتت والتنافر، واستفحال العداء بين المسلمين أنفسهم، وعوضاً عن أن يكون تنوعنا العرقي والمذهبي مصدر إثراء لنا، بات بشكل مصدر عبء علينا، ومدعاة للتناحر، ومبرراً للتدخل في شؤون بعضنا البعض للأسف الشديد.

إن هذا الواقع الخطير والأليم في آن، يحتم علينا الوقوف وقفة صادقة مع النفس ومع هذه الأمة في تحقيق ما تصبوا إليه من العدل والكرامة والتنمية والقوة. مدركين في الوقت ذاته أن مهمتنا ورسالتنا هي إصلاح شأن هذه الأمة، ومن الواجب علينا وضع الخطط والبرامج لتحقيق نهضتها، واستعادة تضمنها، لتمكينها من مواجهة التحديات التي تعترضها )إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ(، ولن يتأتى لنا ذلك إلا بالتخلي عن وهن النفوس، واستعادة مكامن القوة بالسعي المشترك إلى إعادة بناء هذه الأمة على الطريق القويم، وفق الأسس والمناهج التي جاء بها ديننا الحنيف، وتجنب بعضنا استخدام الطائفية والمذهبية لخدمة سياسته وأهدافه، بدلاً من استخدام السياسة لخدمة الدين، وذلك وفق الخطوات والمبادئ التالية:-

أولاً: إن علينا جميعاً مسؤولية جسيمة لدرء الفتنة والأخذ بكل أسباب التعاون والتعاضد بين المسلمين، وتحقيق تطلعاتهم وتحسس مشكلاتهم وإقامة الحكم الرشيد بما يعمق قيم الشورى والحوار والعدل.

ثانياً: إدراك الأخذ بالأصلح مطلب العقلاء والحكماء، والسعي في التطوير والإصلاح لأمتنا من داخلها أولوية وقناعة نؤمن بها، ونسعى إليها تحقيقاً لواجبنا وسعياً لما فيه مصلحة شعوبنا، في باعث نابع من داخل هذه الأمة وما يفرضه عليها دينها الإسلامي الحنيف.

ثالثاً: بناء قدرات هذه الأمة ومؤسساتها، وتطوير أنظمتها في كافة المجالات عبر برنامج متكامل يستهدف الطاقات العاملة والتخصصات المتنوعة، للنهوض بالأمة، ويستشرف آفاق المستقبل ومواجهة تحدياته. ويستشعر في الوقت ذاته خطورة التفريط في الزمن والتباطؤ في الإصلاح والتعاون، ويسترشد بخطة العمل العشرية التي أقرتها قمة مكة المكرمة عام 2005م.

رابعاً: إن هذه الأمة أمة وسط )وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً( فلا فسحة فيها للغلو الفكري، ولا للغلو السلوكي –إفراطاً وتفريطاً- وإننا نؤكد مضينا في محاربة الإرهاب والفكر الضال المؤدي إليه، وتحصين الأمة منه، وعدم السماح لفئاته بالعبث بتاريخ الأمة وتعاليم كتابها وسنة نبيها.

خامساً: الوقوف صفاً واحداً في محاربة الفتن التي بدأت تستشري في الجسد الإسلامي الواحد على أسس عرقية ومذهبية وطائفية حتى استفحل العداء بين المسلمين أنفسهم وأصبح للأسف الشديد يهدد دولهم في كيانها وأمن شعوبها، ولن يتأتى هذا إلا من خلال احترام بعضنا البعض سيادة واستقلالا، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية بدافع مسؤولية بلد من مواطني بلد آخر تحت أي ذريعة أو شعار.

سادساً: نرحب بما جاء في خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في المؤتمر ومقترح إنشاء مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية للوصول إلى كلمة سواء، يكون مقره في مدينة الرياض، بالمملكة العربية السعودية، ويعين أعضاؤه من مؤتمر القمة الإسلامية باقتراح من الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي والمجلس الوزاري.

سابعاً: إن الإعلام في دولنا الإسلامية يتحمل مسؤولية كبيرة في درء الفتن وتحقيق أسس وغايات التضامن الإسلامي، امتثالاً لقوله تعالى ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ(.

ثامناً: الوقوف صفاً واحداً مع الشعوب الإسلامية المقهورة، التي ترزخ تحت الظلم والقهر بمسح ومرأى من العالم أجمع وتواجه عدواناً بشعاً تحت الطائرات وأفواه المدافع والصواريخ الموجهة ضد المواطنين العزل، ناشرة الدمار والقتل في المدن والقرى الآمنة على أيدي الجيوش الوطنية النظامية، كما هو حال الشعب في سوريا.

تاسعاً: أهمية قضية فلسطين باعتبارها القضية المحورية للأمة الإسلامية، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والفلسطينية المحتلة منذ عام 1967م بما فيها القدس الشريف وذلك طبقاً للقرارات الدولية الصادرة في هذا الشأن، وتحميل إسرائيل مسؤولية توقف مفاوضات عملية السلام وفق قرارات الأمم المتحدة ومبادرة السلام العربية وخارطة الطريق.

عاشراً: إن سياسة التنكيل والعنف التي تمارسها حكومة اتحاد ميانمار ضد مواطنيها من جماعة الروهنجيا المسلمة هي جرائم ضد الإنسانية، هي محل استنكار وقلق شديدين من دول وشعوب العالم الإسلامي بصفة خاصة ودول وشعوب العالم بصفة عامة لتنافيها مع كل مبادئ وقوانين وحقوق الإنسان والقيم والأخلاق والقوانين الدولية، وعلى حكومة اتحاد ميانمار الكف فوراً عن هذه الممارسات وإعطاء الروهانجيين حقوقهم كمواطنين في دولة ميانمار، كما أن على المجتمع الدولي الاضطلاع بمسؤولياته القانونية والأخلاقية في هذا الشأن.

حادي عشر: إن مسؤولية منظمة التعاون الإسلامي تقتضي منها وضع الخطط والبرامج اللازمة وعرضها على الدول الأعضاء للبدء في تنفيذها.

إن الترامنا بالجدية والمصداقية في العمل الإسلامي المشترك هو مطلب أساسي، ننطلق من خلاله نحو رؤية استشرافية جديدة لمستقبل العالم الإسلامي وقوته، رؤية تتعامل مع التحديات الداخلية بالحكمة والموعظة الحسنة، وتتعامل مع الواقع والتحديات الدولية بمعرفة دقيقة بمتغيراتها السياسية والاقتصادية والثقافية، لكي نحفظ لشعوبنا العزة والكرامة، ونؤمن لها مستقبلها، ونستعيد بها تضامننا الإسلامي الذي به نحافظ على عزتنا وقوتنا وكرامة شعوبنا.

قال تعالى: )وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا(.

والله نسأل أن يزيدنا في مسعانا خيراً، ويكتب لنا الرشد في أقوالنا وأفعالنا، ويهيئ لنا النهوض بهذه الأمة حاضراً ومستقبلاً. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

*****